الثلاثاء، جمادى الآخرة ٢٩، ١٤٢٧

أنا بخير للأسف!




أتاني صوتها من أقصى الفجيعة هدأى..
أم عُبيدة لم يتأبطها تكالب الوجع للنسيان..
فبحجم شاسع المسافة ، وفادح حزن العراق ، كانت على مرمى بغداد ، وأنا في رياض ليس لها من اسمها نصيب.. جاء صوتها بحنو أمّ تقبل جرح صغيرها:
(((آني أم عُبيدة آخابرج من بغداد! )))

قلبها لا يعرف الاستئساد بالشكاة.. أو سفك الدمع ؛ لتُنفّس ما في الروح من سَموم يتكاثف كضباب مُبيد..
هناك هي.. حيث يقتطف الموت أسرتها على مهل، وتلذذ..
ا(أزهار) ترش النفح منها.. فتسأل عنّا فرداً فردا بالاسم ، والحال ، ومن قرب منّا أو بعد..
تستحضر ذكرى لقاءٍ أسرع من برق زرتُ فيه مع صديقات ( عُبيدتها ) طريح السرطان الذي افترس رأسه المنمنم.. بعدما نقلته السلطات من الدُوْرَه/ بغداد لمشفى التخصصي هنا.. كان اللقاء عشوائي التخطيط ، إلا أن خصلة أتتْ بهم ، وخصلة ذهبتْ بنا ، وخصلة من قَدر.. كوّنت الضفيرة!
فصار للودّ صلة بيننا تنسج مداها قرباً وبعدا

مرّ عام منذ نأتْ بنا الأسباب أو تزيد..
عراق يستحمّ بدمِّ بَنِيه في النهار ، فيغسل حاجباه/ الرافدين فوضى الأشلاء في ليل لا ينتهي بشمس.. ووطن توصد السياسة الخؤون شماله درءً لمن عوّل عليه كملجأ.. (هو أدرى بأنه أوحش من ذلك فينأى)! 0
هواتف مخرومةٌ شبكاتها.. تقطّر أصواتنا دون وصول..
وبريد لا يعوّل على نفسه.

كانت تسألني فأَصدُقها.. وأسألها فتَكْذبني الرد ( كيف تكون بكل رسائل التهديد ، وفجاءات التنقل الخفي وتشرد الأهلين في ذات الوطن ، وكل الموت المكيد ، وتكون بخير !! ) 00

قلتُ لأمي بعد المكالمة: موجع أن تكون بخير تام ، تام لحد ألا تجد لعزيز مكلوم ما تتقاطع معه! لا تستطيع مساندته بما قلّ وتفه حتى! لا تستطيع عناقه! النظر في يمّ عينه لتقول أن كل شيء يدّعي كي لا يؤلمك أنه بخير.. سيكون بالفعل بخير قريباً.. لأن الصبح قريييب! ولأنك تؤمن بإله يخبرك بأنه عند حسن ظنّك به!
موقف يجعلك تتألم كونك بخير حقيق يخالفهم البتّة.

(( إلا أن لله حمدٌ جزيل حتى يرضى وإن رضي على نعمائه ، في الرخاء والشدة ، وعلى كل كل حال ))

عُبيدة الآن في ذمة ربه يتوسد قطن غمامة ، ويأكل من أخرى بوظة..
يدري أن ( هبة الله ) التي رُزق بها ذووه ستلؤم من ثلم فقده.. أما بقية المشهد فالرؤيا ضبابية ، وتفاصيله فيلم مرعب لا يسمح سنّه بمشاهدته!
يرسل قُبلة لأخويه حذيفة ، ورغد ، ويناااام .
.
.
.
خارج النص:
من يبرق الروح للعراق في جذع حمامة..
تكنز في صدرها حزن الأمهات ، هديل الأطفال ، صبر الرجال..
تهبهم بمجرد التحليق مشهداً للاحتفاء بالحياة: أعلى من رصاصة ، وأبعد من سيارة مفخخة ، وأبيض من دم..
عراقك يا الله يموووت.. تلطّف به
إنك أنت الرحمن الرحيييم